برشلونة جمال الطبيعة والاقبال على الحياة
المدينة التي تنبسط ،على مهل، ما بين البحر والجبل تقدم لزائرها مفاجآت لا تنتهي، في مزيج جميل يجمع بين سحر المتوسط ونكهة اوروبا الفريدة
عادة ما يكون للمدن خصائص معينة تطغى عليها وتميزها، فهذه مدينة ترفع شعار الثقافة واخرى متخصصة في التجارة والاعمال وثالثة شهيرة بجمال الطبيعة والاقبال على الحياة.
ولكن قليلة هي المدن التي تجمع بين كل ذلك معا وفي طليعتها برشلونة، فالمدينة التي تنبسط ،على مهل، ما بين البحر والجبل تقدم لزائرها مفاجآت لا تنتهي، في مزيج جميل يجمع بين سحر المتوسط ونكهة اوروبا الفريدة.
هنا يعيش الناس بكل طاقتهم كما لو كانوا على سباق مع الزمن، ويريدون ان يغرفوا من العمر ما استطاعوا، وليس هناك امتع من ان يجد الزائر نفسه وسط هذا الاحتفال اليومي الصاخب.
اول ما يشدك الى برشلونة هو اسلوبها المعماري المميز. فقد اعتنى البناؤون بأن تتخذ كل عمارة طابعا يميزها عن الاخرى والكثير منها ذات الوان زاهية تُدخل البهجة الى النفس. وشرفات المنازل تزينها نباتات الزينة، والشوارع فسيحة والحدائق متنوعة.
لارامبلا
“لارامبلا” هو الشارع الرئيس في المدينة والقلب النابض لها. سلسلة مترامية من المطاعم والمقاهي والنوادي الليلية تمتد على مدى الشارع الذي يحظى فيه المشاة بالحصة الاكبر.
في النهار يمتلىء الشارع بالباعة والسياح، وفي الليل يتحول الى خلية نحل وخصوصا في نهاية الاسبوع حين تبدأ السهرات بعد الواحدة ولا تنتهي إلا مع الفجر وربما بعد ذلك.
والحب في لارامبلا كالهواء في كل مكان. أنّى يمّمت وجهك وجدت عاشقا وعاشقة يختلسان معا لحظات من السعادة.
ويجاور لارامبلا ساحة كاتالونيا الفسيحة والمتوقدة حجرا وبشرا. وليس افضل من احتساء فنجان قهوة على احد مقاهي الرصيف ومراقبة الطوفان البشري الذي يفيض ليملأ جوانب الطرقات فرحا وحبورا.
كل ما هو غير متوقع يمكن ان يحدث في لارامبلا، كأن يخطر على بال شابين ان يمارسا رياضة الجري، شبه عاريين، عند الثانية صباحا.
وبعد ان يعبرا وسط ابتسامات المارة، تتطلع الى فتاتين ممشوقتي القوام تتمايلان بغنج وسط الشارع. تدقق النظر الى الملامح ثم تسمع الصوت فتكتشف انهما رجلان ” سابقان” قررا ان يتخليا طوعا عن الرجولة واعبائها.
وعند نهاية الشارع ينتصب تمثال لكريستوف كولومبوس وهو يشير بيده الى البحر، من حيث انطلقت سفنه لتكتشف العالم الجديد.
العائلة المقدسة
كان الروائي البريطاني الشهير جورج اورويل يعتبر ان كنيسة العائلة المقدسة في برشلونة هي اقبح مبنى رآه على الاطلاق وتساءل عن سبب عدم تدميره في الحرب الاهلية الاسبانية.
ولكن يبدو ان قلة فقط تشارك صاحب رواية ” الاخ الاكبر” رؤيته. فقد تحول هذا المبنى اليوم الى ايقونة معمارية في برشلونة وعلامة مميزة لها.
بدأ بناء الكنيسة في العام 1883 على يد المعماري الاهم في برشلونة انتوني جودي الدي قامت رؤيته على اساس بناء 18 برجا ولم ينجح سوى في اكمال برج واحد لانه لقي حتفه خلال عملية البناء.
واللافت ان العمل لا يزال متواصلا في بناء الكنيسة ولا يُتوقع الانتهاء منه قبل عشرين عاما اخرى.
وفي الكنيسة مصعد يوصلك الى ارتفاع 65 مترا وبعد ذلك يمكن ان تشق طريقك وسط مجموعة من الادراج بالغة الضيق التي تتلوى حتى ارتفاع 90 مترا، حيث ثمة شقوق يمكن ان تشاهد منها المدينة.
المتاحف
وفي برشلونة سلسلة متعددة من المتاحف، اشهرها متحف الفن المعاصر في كاتالونيا الذي يتخذ شكل قصر يشرف على المدنية.
ومن مدخل القصر ـ المتحف، تطل برشلونة بهية متألقة وسط الجبال كطفلة جميلة اختبأت بين اذرع والدها.
وهناك متحف الرهبان الذي يقدم صورة عن حياة الرهبنة في القرون الوسطى وما بعدها.
ويبدو بناء المتحف في بعض النواحي متأثرا بالعمارة العربية حتى لتشعر انك في بيت دمشقي عتيق.
والمتحف بناء مربع الشكل تتوسطه حديقة صغيرة رائعة، مليئة بأشجار البرتقال وفي مركزها نافورة يجعلك خرير مياهها تشعر برغبة داهمة في النوم.
ولا يجب ان تفوتك زيارة القصر الملكي وحدائق برشلونة الغناء الممتدة حتى الجبال.
وتعد حديقة “جويل” اشهر هذه الحدائق واقرب ما تكون الى تحفة فنية، فهي عبارة عن جنة خضراء شُقت فيها تشكيلات صخرية منتوعة ووسطها ساحة كبيرة تشرف على المدينة وتقدم لها اطلالة أخّاذة.
برشلونة اليوم
تعتبر برشلونة عاصمة اقليم كاتالونيا وهي مركز سياسي ومالي. الميناء هو احد اهم واكبر الموانىء في المتوسط ويؤمن مدخولا جيدا للمدينة.
وفي كاتالونيا نزعة استقلالية غير خافية. فالسكان يغلّبون هويتهم الكاتالونية على انتمائهم الاسباني ويحرصون على الحديث بلغتهم الخاصة المتأثرة بالاسبانية والفرنسية.
وقد وافقت الحكومة الاشتراكية في مدريد على مشروع اقره برلمان كاتالونيا يجعل الاقليم “وطنا” داخل اسبانيا ويقصر الوظائف الرسيمة على الناطقين بالكاتالونية.
وقد أثار ذلك حفيظة احد كبار القادة في الجيش الاسباني الذي لوّح بتدخل عسكري لمنع انفصال الاقليم فما كان من الحكومة الا ان عزلته فورا، تدفعها خشية من عودة دور العسكر الذين اُقصوا على السلطة بعد وفاة الجنرال فرانكو.
على ان هذه التطورات السياسية لا تمنع المدينة من استكمال دورة حياتها المعتادة ولا تعرقل استمتاع السياح بمقومات المدينة
تحياتي
دلوعه كرديه